في مشارف عيد الفطر السعيد يُعِدّ المؤمنون الصائمون أنفسهم لدخول مرحلة جديدة الحياة التعبّدية والاجتماعيّة والسياسيّة وذلك من بعد مُضيّ شهر كامل من السعي المستمر والتعجيل إلى ممارسة التقوى والامتثال للأوامر الإلهيّة، وذلك لأنّ طلوع هلال شوّال هو المعلن عن انقضاء شهر رمضان المبارك وحلول عيد الفطر السعيد، كما أنّ الصيام يحرم في هذا اليوم... وخلاصة القول هي أنّ ولادة الهلال علاوة على تنظيمها لحياتنا الطبيعيّة العاديّة؛ تمثّل تقويماً وتوقيتاً طبيعيّاً لنا للقيام بعباداتنا[1].
وجدير بنا في هذا الشرح أن نتناول أهمّ آثار عيد الفطر السعيد وبركاته التي لا مثيل لها بالبحث والتأمل مستفيدين في ذلك من آراء وأفكار المفسّر الكبير سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وذلك لأنّ توضيح موضوع بهذه الأهميّة من شأنه أن يبيّن الأهداف الحقيقيّة من وراء فرحة المسلمين الصائمين واحتفالهم بهذا اليوم وأسرارها وفلسفتها على نحو أفضل وأكمل، وذلك لكي ما نتمكّن -في نهاية الأمر- من التعرّف على دراسة الفاعليّة الانحصاريّة للأعياد لا سيّما عيد الفطر السعيد في ارتقاء المسيرة التعبّدية والاجتماعيّة للمسلمين.
معنى كلمة (عيد) في اللغة
العيد في اللغة مأخوذ من مادّة «عود» والتي تعني الرجوع، لذا فإنّه يُطلق اسم العيد على الأيّام التي تزول فيها المشاكل عن قوم أو عن مجتمع ما وعلى الأيام التي يعود فيها النصر ورغد العيش سيرته الأولى، وأمّا الأعياد الإسلاميّة فلقد أُطلق عليها اسم «عيد» نسبة لعودة حالة الصفاء والنقاء والطهر الفطريّ إلى روح الإنسان سيرته الأولى ولزوال الأرجاس التي هي على خلاف الفطرة، وذلك ضمن امتثال الطاعات طوال شهر رمضان أو الإتيان بفريضة الحجّ الأكبر، وبما أنّ يوم نزول المائدة على المسيح عليه السلام كان يوم عودة النصر والطهارة والإيمان بالله تعالى؛ فقد سمّى المسيح عليه السلام هذا اليوم [2]، وقد كان نزول المائدة –بحسب ما جاء في الرويات- في يوم الأحد ولعلّ هذا يكون هو سبب احترام المسيحيّين لهذا اليوم.
كما أنّ ما نقرؤه في الحديث المرويّ عن الإمام عليّ عليه السلام: «کُلُّ يَومٍ لا يُعصَی اللَّهُ فيهِ فَهُوَ عِيدٌ»[3] يشير إلى ذات هذا المعنى، وذلك لأنّ اليوم الذي يبتعد فيه الإنسان عن ارتكاب الذنوب هو يوم نصر وطهارة ويوم عودة الفطرة الإنسانيّة إلى سيرتها الأولى[4].
عيد الفطر؛ مظهر اتّباع الإنسان للحقّ في الأوامر الإلهيّة
من البديهيّ لدي جميع المسلمين أن يكون عيد الفطر محطّ اعتنائهم من حيث كونه يوماً للفرح والسرور والاحتفال، ولكن يجب التطرّق إلى هذا السؤال؛ ما هي العناصر الأساسيّة التي يقوم عليها خصوصيّة وجوب إقامة الاحتفالات والسرور والفرح في يوم عيد الفطر؟وفي الجواب عن هذا السؤال يمكن العمل على رفع الإبهام وذلك بالاستفادة من الرؤية التفسيريّة لسماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في شروحاته وتفسيره لدرر أقوال الإمام علي عليه السلام، حيث قال سماحة المرجع الديني في إحدى خطبه: وقد أشار الإمام عليّ عليه السلام في خطبة ملؤها الحكمة ألقاها في أحد الأعياد (عيد الفطر) إلى نقطة مهمّة تتعلّق بالعيد؛ حيث قال: «إِنَّمَا هُوَ (عيد الفطر) عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ»، ثم واصل سلام الله عليه حديث قائلاً: «[وبناء على هذا] وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ». ولكل قوم من شعوب العالم -في الحقيقة- أيام لإقامة الاحتفالات الخاصّة ويسمّونها عيداً. وهذه الأيام إمّا أن تكون كعيد النيروز حيث تحدث فيه تغيّر عجيب في طبيعة العالم؛ فتبتسم النباتات وتزدهر الأشجار وتتجدّد الحياة ويدبّ النشاط في الطبيعة. أو أن يكون ذلك اليوم قد صادف وقوع فتح مهمّ في تاريخ شعب إحدى المناطق، أو أنّ تحوّلاً اجتماعيّاً أو علميّاً قد اتّفق في يوم فعمل الشعب على إحياء ذكراه وتعظيمها من خلال اتّخاذه عيداً. والجدير بالاهتمام هو أنّ دين الإسلام قد جعل الأعياد في عقب إطاعة الأوامر الإلهيّة المهمّة.
ففي عيد الفطر تحتفل الأمةّ المسلمة بالنصر الذي تحقّق بعد انقضاء شهر من الصوم التزاماً بأمر الله سبحانه والإتيان بالعبادات[5] النهاريّة والليليّة، لانتصارهم على الشيطان الرجيم؛ فهو احتفال بإطاعة أوامر الله عزّ وجلّ[6].
وبناء على هذا يمكن القول بأنّ الاحتفال والسرور من بعد انقضاء شهر الصيام شهر رمضان المبارك هو في حقيقة الأمر احتفال بمناسبة الانتصار على أهواء النفس فهو احتفال بإطاعة الأوامر الإلهيّة. لذا فإنّ مثل هذا اليوم إنّما هو عيد لأولئك الناس الذين حقّقوا النصر في إقامة هذه الفريضة الإلهيّة العظيمة وأدركوا فلسفتها الأساسيّة، وأمّا من لم يحترم حرمة هذا الشهر العظيم ولم يحافظوا على برنامجه التعليميّ التربويّ، فقد باء بالخسران والمذلّة ولا يمثّل هذا اليوم بالنسبة له شيئاً سوى العزاء والحزن[7].
وبهذا البيان يتّضح أنّ قول الإمام علي عليه السلام: «إِنَّمَا هُوَ (عيد الفطر) عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ» هو حقيقة وواقع محسوس. فجميع من لم يمتثل لأمر الله تعالى بصيام ذلك الشهر الفضيل والعياذ بالله أو أنّ صيامه كان مختلطاً بالذنوب والعصيان مما تسبّب في قصورها عن الوصول إلى درجة القبول عند المولى عز وجلّ، لا يمكنهم أن يشعروا بالسعادة والفرح؛ بل إنّ السعادة والفرح في هذا اليوم منحصرة في من نالت أعمالهم درجة القبول لدى الله عزّ وجلّ.
وعلى أساس هذا المنطق؛ فإنّ كلّ يوم لا يرتكب فيه الإنسان الذنوب ويجتنب فيه التجرّء على عصيان الله تعالى من أوّل ذلك اليوم إلى آخر ليله، هو في الواقع يوم عيد لصاحبه، وعلى هذا البيان يمكننا أن نجعل من جميع أيام سنتنا عيداً لنا[8]، غير أنّ هذا متوقّف على أن يقوم الناس بالمواصلة في أعمال الخير والإحسان الذي كانوا يقومون بها في شهر رمضان على نحو شامل؛ وذلك لأنّ القيام بمثل هذه الأمور الضروريّة يؤدّي إلى أن تحلّ البركة في عمر الإنيان وحياته[9].
صلاة عيد الفطر؛ شعار ارتباط السياسة بالديانة
إنّ إقامة صلاة عيد الفطر هي - بلا أدنى شكّ- من جملة العوامل المؤثّرة التي لا بديل لها في تقوية التوافق بين الأمّة الإسلاميّة وإزالة مشاكل المجتمعات الإسلاميّة، لذا فإنّ الدور الذي يلعبه المبلّغون الدينيّون والدعاة أمر لا يمكن إنكاره؛ حيث يتمثّل في نشر الإسلام المحمّدي وترويج تعاليمه وفي ضمن ذلك توضيح تبعيّة السياسة للدين في التعاليم الإسلاميّة وتبيين أهمّ مصالح العالم الإسلاميّ والتحدّيات التي تواجهه.
ومن هذا المنطلق، تطرّق سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي إلى بيان ضرورة تحقّق هذا الأمر المهمّ؛ حيث قال: يليق بإمام صلاة الجمعة وخطيبها أن يقوم بتذكير المسلمين بمصالح دينهم ودنياهم في خطبة الجمعة، وأن يوضّح للناس القضايا المفيدة والمضرّة التي تعيشها شعوب البلاد الإسلاميّة وغير الإسلاميّة وأن يسعى في تأمين احتياجاتهم سواء كانت لمعاشهم الدنيويّ أو لمعادهم الأخرويّ. كما عليه أيضاً أن يدعو القائمين على أمور المسلمين على المستويين الاقتصاديّ والسياسيّ بمراعاة كل ما من شأنه أن يؤثّر في استقلال المسلمين وكيانهم. وأن يبيّن كيفيّة تكوين العلاقات السليمة بين المسلمين وسائر الملل الأخرى وأن يحذّر الشعب من خطر تدخّلات الدول الظالمة والمستعمرة في الأمور السياسيّة والاقتصاديّة للمسلمين، والتي من شأنها أن تتحور إلى صور من الاستعمار والسيطرة السياسيّة والاقتصاديّة[10].
وخلاصة القول هي أن صلاة عيد الفطر تمثّل أحد الخنادق الكبيرة والاستراتيجيّة والتي –للأسف الشديد- قد غفل المسلمون عن القيام بتكليفهم المهمّ تجاهها، كما يغفلون في بعض الأحيان عن معظم بؤر القوّة الموجودة في السياسة الإسلاميّة من قبيل صلاة الجمعة وغيرها. فدين الإسلام يشمل السياسة، وهذا ما يشاهده -كالشمس في رائعة النهار- كل من يعمل قليلاً من التأمّل في الأحكام القضائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الإسلاميّة. فكلّ من يتوهّم أنّ السياسة منفصلة عن الإسلام فهو لا يعي شيئاً لا من الإسلام ولا من السياسة[11].
عيد الفطر؛ عامل مؤثّر في محاربة الاستكبار
إنّ لعيد الفطر بلا أدنى شكّ أداء لا مثيل له في الأمور التعبّدية والدينيّة، غير أنّ الآثار القويّة -والتي لا بديل لها- الكامنة في إقامة صلاة عيد الفطر والتي لها دور مهمّ في تثبيت التعاليم السياسيّة والاجتماعيّة لا سيّما في مجال تقوية عظمة الإسلام وإبداء هيبته لا يمكن إنكارها، وذلك لأنّ أوامر دين الإسلام المبين وتعاليمه لمّا كانت جميعها محسوبة ودقيقة فإنّها تزلزل حكومة الظالمين وتهزّ أركانها[12]، لذا فإنّ إحدى مناهج سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الدائمة والثابتة هي ما يُعمّمه سماحته بين جميع الناس -عندما يقترب شهر رمضان من الانقضاء- من دعوات إلى إقامة صلاة عيد الفطر السعيد على نحو ملؤه عظمة الجموع الغفيرة، وذلك بقصد تحقيق محاربة الاستكبار.
ومن هذا المنطلق نجد سماحته قد قال في إحدى خطبه: إنّ صلاة عيد الفطر هي من المستحبّات؛ ولكنّها من المستحبّات الأكيدة جدّاً ومن الشعائر الإسلاميّة المهمّة؛ حيث نقرأ جميعنا الدعاء ونقول: « أسْاَلُكَ بِحَقِّ هذَا الْيَومِ الَّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عيداً، ولِمحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذُخْراً وَشَرَفاً وَمَزيْداً»[13].
هذا بالإضافة إلى أنّ صلاة عيد الفطر ومن حيث كونها قذى في عين الأعداء وسبباً في عزّة الإسلام وعظمته؛ من الضروري أن يحضر في هذه المناسبة المعنويّة جميع الصائمون ليجعلوها تجمّعاً غفير الجموع ملؤه العظمة، وذلك لأنّ حضورهم على هذا النحو المهيب من شأنه أن يبطل مفعول المؤامرات التي يحيكها أعداء الإسلام وأن يفضح ادّعاءاتهم الكاذبة في حقّ الإسلام وأن يجعلهم غارقين في بحر اليأس والهزيمة[14].
عيد الفطر؛ تجلٍّ للسيرة التعبّدية للأمّة الإسلاميّة
لا بدّ من التسليم بأنّ عيد الفطر يمثّل في دين الإسلام أحد الأيام المقدّسة التي لها عباداتها الخاصّة ومناسكها التي جاءت بها الروايات[15]، لذا يمكن أن ننظر إلى تقوية التعاليم الدينيّة والتعبديّة في يوم عيد الفطر السعيد على أنّها علامة قويّة لبيان مدى التوفيقات الإيمانيّة للمسلمين في شهر رمضان، ومن هذا المنطلق نجد آراء وأفكار سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي قد أولت الأمور التعبّدية اهتماماً متزايداً من حيث كونها أهمّ نهج في السيرة التعبّدية للأمّة الإسلاميّة في يوم عيد الفطر.
تزکية النفس؛ أهمّ نتائج عيد الفطر السعيد
لا بدّ من الاعتراف بأنّ للأعمال والمناسك التعبديّة والدينيّة في عيد الفطر السعيد مجموعة من الآثار والبركات المنقطعة النظير؛ فالتزكيّة التي تتحصّل من خلال أداء فرض زكاة الفطر إلى الفقراء هي من جملة الخصائص القيّمة التي يشملها هذا اليوم العظيم، لذا نجد أنّ الآراء التفسيريّة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، حيث جاء فيها: لقد أشارت الآيتين 14 و15 من سورة الأعلى إلى نجاة أهل الإيمان وتطرّقت إلى ذكر عوامل تحقّق هذه النجاة، ولذلك قال الله عزّ وجلّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)[16] (وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[17]. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنّ عامل الفلاح والنصر والنجاة هو أمور ثلاثة: التزكية، وذكر اسم الله تعالى، وإقامة الصلاة.
وقد جاءت تفاسير مختلفة في بيان ماهيّة التزكية:
- الأولى تشير إلى أنّ المقصود من التزكية هو تنقية الروح من الشرك.
- كما يمكن أيضاً التعبير عن مقصود الآية 14 من سورة الأعلى بأنّه تنقية القلب وتطهيره من الرذائل الأخلاقيّة والقيام بالأعمال الصالحة، وذلك بقرينة الآيات التي تناول موضوع الفلاح في القرآن الكريم؛ ومن جملتها الآيات الأولى من سورة المؤمنون؛ والتي اعتبرت الأعمال الصالحة من ضروريّات تحقّق الفلاح، وكذلك الآية التاسعة من سورة الشمس التي تناولت موضوع الفلاح والفجور؛ حيث قال الله عزّ وجلّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)[18].
- كما يمكن أيضاً أن يُقال أنّ معناها هو زكاة الفطر المدفوعة في عيد الفطر، حيث يجب أن يؤتي المكلّف زكاة فطرته أولاً ثمّ يتوجّه إلى إقامة الصلاة، وقد نُقل هذا المعنى في العديد من الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام[19]، كما أنّ ذات هذا المعنى قد ورد في مصادر أهل السنّة في رواية عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام[20][21].
وعلى هذا الأساس يكون مقصود القرآن الكريم في الآية الكريمة «قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَکی وذَکَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصلی» على النحو التالي: تشير كلمة (تزكّى) إلى إيتاء زكاة الفطر، و(ذكر اسم ربّه) تشير إلى تلك التكبيرات التي يُنادى بها في يوم عيد الفطر، وأمّا (فصلّى) فالفاء فيها تعني الترتيب حيث يقوم الإنسان من بعد إيتاء الزكاة والمناداة بالتكبيرات بإقامة الصلاة، ومن هذا المنطلق كان الواجب أن تؤتى الزكاة أولاً، وأمّا إذا كان هناك فقير بعينه تريدون أن تؤتونه زكاة فطرتكم ولم تستطيعوا الوصول إليه قبل الصلاة؛ فإنّ من الممكن أن تعزلوا من المال بمقدار الزكاة بنيّته[22].
زکاة الفطرة؛ أهمّ الواجبات الماليّة في يوم عيد الفطر
ومن الجدير ذكره أنّ شرط قبول صيام شهر رمضان هو إيتاء زكاة الفطرة[23]، فإنّ إيتاء زكاة الفطر هو أمر واجب أشار إليه كلّ من القرآن الكريم والروايات، لذا فإنّ إحدى الفوائد التي تتأتّى من إيتاء زكاة الفطر هي تأمين الإنسان وحفظه من الحوادث المختلفة طوال ذلك العام، ففي الواقع يقوم الإنسان بتأمين نفسه من خلال دفع هذا المبلغ الضئيل كمّاً العظيم أجراً[24].
وزكاة الفطرة [25]، هي إحدى أقسام الزكاة، ويجب أداؤها على كلّ إنسان بالغ عاقل مستطيع في يوم عيد الفطر فيدفعها عن نفسه وعن كلّ من يقع تحت نفقته كبيراً كان أم صغيراً. ومقدار زكاة الفطر عن كلّ فرد هو صاع (المعادل تقريباً لمُنّ واحد تبريزي) من جنس غالب قوت أهل البلاد؛ من قبيل القمح والشعير والتمر وأمثالها. وليس هناك أدنى فرق في أصول مسائل زكاة الفطرة بين الشيعة والسنّة[26].
ومن هذا المنطلق، يمثّل دفع زكاة الفطرة ضماناً وتأميناً لسلامة الإنسان ومن يعولهم، وكلّما زاد استثمار الإنسان في هذا المضمار كان ذلك أمراً جيّداً ولم يخرج عن محلّه، وبناء على هذا؛ فإنّ الواجب الواقع على عاتق جميع المستطيعين الذين يملكون قوت سنتهم هو أن يدفعوا زكاة الفطر، وأمّا الفقراء وغير المستطيعين ممّن تكون مصارفهم أكثر من دخلهم؛ فلا يجب عليهم دفع زكاة الفطرة بل يمكنهم أن يأخذوها[27].
كلمة أخيرة
يوم عيد الفطر هو يوم الثواب وأخذ الأجر؛ غير أنّ الذين قضوا شهر رمضان بعيدين عن أجوائه فإنّهم لن يرووا سوى الخسارة والخسران، وقد جاء في بعض درر خطب الإمام علي عليه السلام أنّه يشبّه عيد الفطر بيوم القيامة ويحثّ الناس على أن يستذكروا يوم ورودهم على الحشر الأكبر عندما يتّجهون إلى المصلّى، وبعد انتهاء الصلاة أن يستمعوا إلى الخطبة ويستذكروا اللحظات التي يخرجون فيها من ساحة الحشر ويتوجّهون إلى الجنان[28].
لذا جاء في ما استعرضه الإمام علي عليه السلام أنّ أقل ما يمكن أن يناله الصائم هو أن يناديه ملك في اليوم الآخر من شهر رمضان المبارك قائلاً: ابشر أيّها العبد فقد غفر الله لك ومحى جميع ما أثبت في كتاب أعمالك من ذنوب، فتنبّه أنّ لا تلطّخه من بعد نقائه بالذنوب[29].
وبناء على هذا يجب القول بأن شهر رمضان هو فصل الربيع، وأمّا يوم العيد فهو ربيع العبوديّة لله تعالى، فيجب أن نعتني بهذه الأشجار المثمرة وننتبه إليها فلا تجفّ، ويجب أن تبقى التقوى والطهارة التي تحصّلت في ظلّ طاعة الله تعالى وتحيى إلى السنة المقبلة[30].
لا يوجد تعليق