الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
إنّ جاهلية ما قبل الإسلام لم تكن تعترف للمرأة بأية مكانة أو قيمة، و كان النسب عندهم ما اتصل من جهة الأب فقط، غير أنّ الإسلام أبطل هذه العادة الجاهلية، و من المؤسف أنّ بعض أصحاب الأقلام الذين في نفوسهم شيء تجاه أئمة أهل البيت عليهم السّلام، سعوا إلى إنكار هذا الموضوع، و حاولوا العودة إلى الجاهلية بالامتناع عن نسبة أبناء فاطمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رفضوا اطلاق عبارة «ابن رسول اللّه» عليهم إحياء للتقاليد الجاهلية.
و هذا الموضوع نفسه كان قد عرض للمناقشة على عهود الأئمّة، فكانوا يجيبونهم بهذه الآية باعتبارها الدليل الدامغ و الردّ الحاسم على ما يفترون؛
من ذلك ما جاء في «الكافي» و في تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «و اللّه لقد نسب اللّه عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم عليه السّلام من قبل النساء ثمّ تلا:وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ ... إلى آخر الآيتين، و ذكر عيسى.
و في (عيون أخبار الرضا) في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر عليه السّلام مع هارون الرشيد و مع موسى بن المهدي حديث طويل بينه و بين هارون و فيه ... ثمّ قال: كيف قلتم: إنّا ذريّة النّبي، و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يعقب، و إنّما العقب للذكر، لا للأنثى و أنتم ولد لابنته، و لا يكون لها عقب، فقلت: «أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه إلّا ما اعفيتني من هذه المسألة» فقال: لا، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم، كذا أنهى إلي، و ليست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه، و أنتم تدعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف و لا واو، إلّا تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم، فقلت: «تأذن لي في الجواب؟» قال: هات، فقلت: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم:
وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ قال: ليس لعيسى أب، فقلت: «إنّما الحق بذراري الأنبياء من طريق مريم عليها السّلام، و كذلك ألحقنا بذراري النّبي من قبل أمنا فاطمة عليها السّلام»(1).
يلفت النظر أنّ بعض المتعصبين من أهل السنة تطرقوا إلى هذا الموضوع عند تفسيرهم لهذه الآية، منهم الفخر الرازي في تفسيره حيث استدل بها أن الحسن و الحسين من ذرية النّبي، لأنّ اللّه ذكر عيسى من ذرية إبراهيم مع أنّه يرتبط به عن طريق الأم فقط(2).
و صاحب المنار الذي لا يقل تعصبا عن الفخر الرازي يقول: بعد أن ينقلكلام الرازي، أنّ في هذا الباب حديثا كره البخاري في صحيحه عن أبي بكر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال مشيرا إلى الحسن بن علي عليه السّلام: «إنّ ابني هذا سيد».
و في تفسير العياشي عن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال: بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن و الحسين من ذرية النّبي تجدونه في كتاب اللّه، و قد قرأت كتاب اللّه من أوّله إلى آخره فلم أجده، قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ حتى بلغ يَحْيى وَ عِيسى أليس عيسى من ذرية إبراهيم و ليس له أب؟ قال: صدقت.
و فی مستدرك الصحيحين (ج 3 ص 164) روى بسنده عن عاصم بن بهدلة قال: اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن على عليهما السلام فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم و عنده يحيى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير فقال: لتأتينى على ما قلت ببينة و مصداق من كتاب اللّه عز و جل أو لأقتلنك قتلا فقال: (وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى) إلى قوله عز و جل: (وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ) فأخبر اللّه عز و جل إن عيسى من ذرية آدم بأمه، و الحسين بن على عليهما السلام من ذرية محمد صلى اللّه عليه (و آله) و سلم بأمه قال: صدقت فما حملك على تكذيبى فى مجلسى، قال: ما أخذ اللّه على الأنبياء ليبيننه للناس و لا يكتمونه قال اللّه عز و جل: (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) قال: فنفاه إلى خراسان. و رواه البيهقى أيضا فى سننه (ج 6 ص 166)
و ذکر المفسرون فى باب مباهلة النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم بعلىّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام من الفخر الرازى و غيره جملة من الروايات المشتملة على قصة يحيى بن يعمر مع الحجاج غير أنها جميعا كانت فى الحسن و الحسين عليهما السلام و رواية المستدرك هنا هى فى خصوص الحسين عليه السلام؛
هذا مضافا إلى أن تمام ما ذکر فى باب المباهلة من الأخبار الواردة فيه كان دليلا واضحا و برهانا قاطعا صريحا فى كون الحسن و الحسين عليهما السلام هما ابنا رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم.(3)
بينما كانت لفظة (ابن) عند عرب الجاهلية لا تطلق على ابن البنت .. ثمّ يضيف؛ لهذا السبب، اعتبر الناس أولاد فاطمة أولاد رسول اللّه و عترته و أهل بيته. (4)
ثم ورد روایات صرح علی أن ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم کانت في صلب علي عليه السّلام:
الخطيب البغدادى روى بسنده إلى المنصور العباسى إلى عبد اللّه بن العباس، قال: كنت أنا و أبى العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم إذ دخل علىّ ابن أبى طالب عليه السلام فسلم فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم السلام و بش به و قام اليه و اعتنقه و قبل بين عينيه و أجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول اللّه أتحب هذا؟ فقال النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم يا عم رسول اللّه و اللّه للّه أشد حبا له منى، إن اللّه جعل ذرية كل نبى فى صلبه و جعل ذريتى فى صلب هذا،(5) و ذكره المحب الطبرى أيضا فى الرياض النضرة (ج 2 ص 168) و قال: أخرجه أبو الخير الحاكمى (و فى ص 213) و قال: أخرجه أبو الخير القزوينى، و ذكره ابن حجر أيضا فى صواعقه (ص 93) و قال: أخرجه أبو الخير الحاكمى و صاحب كنوز المطالب فى بنى أبى طالب، ثم قال: زاد الثانى فى روايته: أنه إذا كان يوم القيامة دعى الناس بأسماء أمهاتهم سترا عليهم إلا هذا و ذريته فانهم يدعون بأسمائهم لصحة ولادتهم.(6) و زاد بعض: و قال النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم لعليٍّ ع إِنَّك قسيم النَّار و إِنَّك تقرع باب الجنَّة و تدخلها بغير حساب.(7)
و الهيثمى فى مجمعه (ج 9 ص 172) قال: و عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم: «إن اللّه عز و جل جعل ذرية كل نبى فى صلبه و إن اللّه تعالى جعل ذريتى فى صلب على بن أبى طالب»؛ قال: رواه الطبرانى.
و كنز العمال (ج 6 ص 152) و المناوى فى فيض القدير (ج 2 ص 223) فى المتن، و ابن حجر فى صواعقه (ص 74) قالوا جميعا: أخرج الطبرانى عن جابر و الخطيب عن ابن عباس أن النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم قال: «إن اللّه جعل ذرية كل نبى فى صلبه و جعل ذريتى فى صلب على بن أبى طالب».
لا يوجد تعليق