251-الرضاع المحرِّم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 

251-الرضاع المحرِّم

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ وآله الطاهرین.

لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة

یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 6 ـ لا تقبل الشهادة على الرضاع إلاّ مفصّلة، بأن یشهد الشهود على الإرتضاع فی الحولین بالامتصاص من الثدی خمس عشرة رضعة متوالیات مثلاً إلى آخر ما مرّ من الشروط، ولا یکفی الشهادة المطلقة والمجملة بأن یشهد على وقوع الرضاع المحرّم، أو یشهد مثلاً على أنَّ فلاناً ولد فلانة أو فلانة بنت فلان من الرضاع، بل یسأل منه التفصیل، نعم لو علم عرفانهما شرائط الرضاع وأنّهما موافقان معه فی الرأی اجتهاداً أو تقلیداً تکفی).

یدور البحث فی هذه المسألة حول مسألة الشهادة على الرضاع، وأنّه لو شهد شاهدان على وقوع الرضاع فإنّه تقبل شهادتهما فیما إذا کانت تفصیلیة؛ وذلک لأنَّ الفقهاء مختلفون فی شرائطه، فربَّ رضاع یکون محرّماً عند فقیه وغیر محرّم عند آخر.

وقد تعرّض فی (الجواهر) لهذه المسألة تبعاً (للشرائع) فقال: (لا تقبل الشهادة بالرضاع إلاّ مفصّلة بجمیع ما یعتبر عند الحاکم الذی تقوم عنده الشهادة، حتّى عدم قیء اللبن بناءً على اعتباره عنده بلا خلاف أجده ممّن تعرّض لها).

والعبارة الأخیرة شاهدة على أنَّ البعض لم یتعرّض لهذه المسألة، ولکن تمام الذّین تعرّضوا لها قیّدوا الشهادة بقید (المفصّلة).

نعم، القید الآخر الذی ذکره فی (الجواهر) وهو أن تکون الشهادة عند الحاکم غیر لازم؛ لأنّ الرجوع إلى الحاکم یکون فی مقام الدعوى والتخاصم، فإذا لم یکن هناک تخاصم واُرید فقط إثبات الموضوع وأنّه هل حصل رضاع بالشرائط الفلانیة أو لا، فإنّه یرجع إلى البیّنة ولو لم تکن عند الحاکم. ولعلّ صاحب (الجواهر) أراد بذلک أن یبیّن الفرد الأکمل.

إذن، فالمسألة مسلّمة تقریباً.

الأدلّة

1 ـ بناء العقلاء، بتقریب أنَّ الشهادة قبل أن تکون بیّنة شرعیة هی بیّنة عند العقلاء، نعم یمکن أن یکون هناک اختلاف فی شروطها بین العقلاء والشرع، ولکنّ أصلها عند العقلاء مسلّم. والمعروف أیضاً بین العقلاء أنّه فی موارد الاختلاف لابدّ أن تکون الشهادة تفصیلیة، فأضاف الشارع إلى ذلک بعض القیود ثمّ أمضاه.

2 ـ أنَّ أدلّة الشهادة فی الشرع منصرفة عن الشهادة المجملة فی موارد الاختلاف.

إذن، الدلیل هو بناء العقلاء وانصراف عمومات الشهادة.

ومن هنا یظهر أنّه یمکننا أن نوسّع هذا البحث إلى أبواب اُخرى، ونقول بأنّه کلّما کان هناک اختلاف بین الفقهاء فی مورد معیّن فإنّه لا تنفع فیه الشهادة المجملة؛ مثلاً لا تقبل الشهادة جملة على الکریّة؛ لأنّ الفقهاء مختلفون فی مقدار الکرّ، وهکذا فی کثیر من مسائل الطهارة والنجاسة، وفی المقابل تقبل الشهادة المجملة إذا لم یکن هناک اختلاف فی الرأی بین الفقهاء، کما فی الشهادة على القتل، فلو أنّ شاهدین شهدا على أنَّ زیداً قتل عمرواً تُقبل شهادتهما، وإن کان یمکن أن یحصل القتل بوسائل متعدّدة، فلا یفرّق فی قبول الشهادة فی هذا اللحاظ، وهکذا تقبل الشهادة مجملة فی الجرح والزواج.

ومن هنا یظهر أنَّ شرائط الرضاع مختلفة، فبعضها متّفق علیها وبعضها وقع الخلاف فیها، فیختلف الحکم تبعاً لذلک؛ ففی المتّفق علیه ـ کشرطیة الامتصاص من الثدی ـ تُقبل الشهادة مجملة، وفی المختلف فیه ـ کعدّد الرضعات ـ لا تُقبل الشهادة إلاّ مفصّلة.

ویشهد لذلک روایة أبی یحیى السابقة(1) التی سأل فیها الإمام ـ علیه السلام ـ عن عدّد الرضعات.

شهادة النساء فی الرضاع

یقول الإمام الخمینی ـ قدّس سرّه ـ: (مسألة 7 ـ الأقوى أنّه تُقبل شهادة النساء العادلات فی الرضاع مستقلاّت بأن تشهد به أربع نسوة، ومنضمات بأن تشهد به امرأتان مع رجل واحد).

یقع البحث فی هذه المسألة فی مقامین:

الأوّل: فی شهادة النساء فی الرضاع، وأنّها هل تُقبل أو لا؟

الثانی: فی عدد الشهود.

وبمناسبة هذا البحث نتعرض إلى سائر الموارد التی یبحث فیها عن حکم شهادة النساء، وهی:

1 ـ شهادة النساء فی ما یخفى على الرجال، أو بعبارة اُخرى: فی ما لا یطّلع علیه الرجال.

وهی: الشهادة على البکارة، والنفاس، واستهلال الولد وولادته حیّاً، وکذلک العیوب المخفیّة فی النساء بالنسبة للزوج.

2 ـ شهادة النساء فی الحدود والدّیات والقصاص وأمثال ذلک.

3 ـ شهادة النساء الحقوق والأموال ونحوها مثل الدیون.

4 ـ شهادة النساء فی الطلاق والنکاح وأمثال ذلک، مثل رؤیة الهلال.

وفی نهایة البحث نتعرّض لفلسفة عدم قبول شهادتهنّ فی بعض الموارد، وکذلک فلسفة الاختلاف فی عدد الشهود فی الموارد التی تقبل فیها شهادتهنَّ.

المقام الأوّل: شهادة النساء فی الرضاع

الأقوال

هناک اختلاف بین العامّة والخاصّة فی قبول شهادة النساء فی الرضاع، ولکن المشهور والمعروف قبول شهادتهنّ فیه، وقد قال به الکثیرون من القدّماء والمتأخرین والمعاصرین، وخالف فی ذلک الشیخ فی (الخلاف)، وجماعة آخرون. والمسألة خلافیة بین العامّة أیضاً.

قال المحقّق الثانی فی ذیل کلام العلاّمة ـ قدّس سرّهما ـ فی هذا البحث: (اختلف الأصحاب فی أنّه هل تُقبل شهادة النساء فی الرضاع منفردات على قولین: فذهب الشیخ فی الخلاف وابن إدریس إلى عدم قبولهنَّ، وذهب المفید والسید وسلاّر وابن حمزة وجمعٌ من الأصحاب إلى القبول).

ولم یتعرّض فی کتاب الرضاع فی (الشرائع) لهذا البحث وإنّما بحثه فی کتاب الشهادات، بینما خصّه فی (الجواهر) ببحث مستقلّ فی کتاب الرضاع فی ذیل المسألة(11) من (الشرائع)، وفصّل الکلام فیه، حتّى أنّه عند تعرّضه للأقوال نقل القول بقبول شهادتهنّ عن حوالی عشرین کتاباً بلا واسطة، وعن عدّدٍ آخر مع الواسطة، کما ونقل دعوى الشهرة عن بعضهم.

وخالف الشیخ الطوسی فی ذلک، وقال:

(لا تُقبل شهادة النساء عندنا فی الرضاع بحال) أی لا مستقلاً ولا منضمّاً، (وقال أبو حنیفة وابن أبی لیلى: لا تُقبل شهادتهنّ منفردات إلاّ فی الولادة، وروى ذلک عن ابن عمر، وقال الشافعی: شهادتهنّ على الانفراد تُقبل فی أربعة مواضع، الولادة، والاستهلال، والرضاع، والعیوب تحت الثیاب) والمقصود بالشهادة على الاستهلال الشهادة على ولادة الولد حیّاً من خلال سماع صوت بکائه لأجل إعطائه سهماً من الإرث مثلاً؛ وتقیید العیوب بما تحت الثیاب احترازٌ عن العیوب الظاهرة مثل العرج، (وبه قال ابن عباس والزهری ومالک والأوزاعی. دلیلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم) ومع وجود کلّ هؤلاء المخالفین یدّعی الشیخ الإجماع؟! ولهذا حکم الشیخ الأنصاری ـ قدّس سرّه ـ بعدم حجّیة الإجماع المنقول؛ لأنّ ادّعاء الإجماع على حکمٍ فی مسألة بعیّدٌ مع وجود رائحة الإجماع على خلافه.

ثمّ إنّ الشیخ ـ قدّس سرّه ـ ذکر توجیهاً لهذا الإجماع وأنّه إجماع على القاعدة، حیث قال: (ولأنَّ الأصل ارتفاع الرضاع وثبوته بشهادتهنَّ یحتاج إلى دلیل)(2).

وکأنَّ الأصل هو عدم قبول شهادتهنَّ، فلأجلّ قبولها لابدّ من وجود دلیل؛ لأنّ الجمیع یقولون بأصالة عدم الحجّیة. إذن هذا الإجماع هو نوع إجماع على القاعدة.

نکتة:

هناک استعمالان للأصل فی کلمات العلماء:

1 ـ الأصل فی باب التکالیف، ویقصد به أصالة العدم؛ مثلاً: یجری هذا الأصل عند الشک فی حرمة شیء أو وجوبه ویثبت البراءة، فعند الشک فی وجوب القضاء مثلاً یتمسّک بهذا الأصل ـ عند وصول النوبة إلیه ـ لإثبات عدم وجوبه.

2 ـ الأصل فی باب الحجج الشرعیّة، وهو المعبّر عنه بأصالة عدم الحجّیة، وقد أثبته الشیخ الأنصاری فی أوّل بحثه فی الظن بالأدلّة الأربعة إذن الأصل هو عدم الحجّیة إلاّ ما خرج بالدلیل.

وفی مقامنا ـ بحسب کلام الشیخ الطوسی ـ الأمر من هذا القبیل، أی أنّه إذا حصل العلم من شهادة المرأة بالرضاع فلا کلام، بینما إذا حصل الظن من ذلک فإنّه یشک فی الحجّیة حینئذٍ، والأصل یقتضی عدم الحجّیة.

والنتیجة: هی أنّه لا ینبغی الشک فی شهرة قبول شهادة النساء فی الرضاع.

وصلّى الله على سیدنا محمّدٍ وآله الطاهرین.

________________________

(1) الوسائل 20: 400، أبواب ما یحرم بالرضاع، ب 11، ح 1.

(2) الخلاف: کتاب الرضاع ـ المسألة 19.

الهوامش:
  
    
تاريخ النشر: « 1279/01/01 »
CommentList
*النص
*المفتاح الأمني http://makarem.ir
عدد المتصفحين : 1823