تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
14/ ما معنى القضاء و القدر
الخلاصة : الجواب:
مسألة القضاء و القدر من المسائل الواردة في جميع الأديان لجميع شعوب العالم، و لاتختص أمة من الأمم بالاعتقاد بها ـ برغم أنّ کتابنا السماوي و أحاديثنا الاسلامية أولت اهتماماً خاصاً لهذا الموضوع.
للأسف نتيجةً لسوء التفسير الصادر من بعض غير المتخصصين بالنسبة للقضاء و القدر لا يملک الناس انطباعاً جيداً عن هذين اللفظين، غالباً يرتجفون من سماع هاتين الکلمتين و يظنون أنّ التقدير الالهي عمل خارج عن دائرة الحياة و له أثر مباشر على إرادة الانسان، يظهر أحياناً بشکل عامل إيجابي فيجبر الانسان على القيام بعمل عن طريق الجبر و الاکراه، و له أحياناً جانب سلبي فيمنع الانسان شاء أم أبى من القيام بعمل معين.
التقدير بهذا المعنى ـ فى أفعال البشر الاختيارية ـ ليس إلاّ اسطورةً، بل يجب البحث عن حقيقة التقدير في دائرة الحياة، و لا يجب أبداً تصور صانع لذلک الواقع غير الانسان و إرادته.
يصعب جداً على الطائفة التي قد تلوث ذهنها بالتفاسير غير الصحيحة للقضاء و القدر تصديق الرأى القائل: «ليس لدينا في عالم الکون عامل باسم القضاء و القدر في عرض سائر العوامل ليعرض نفسه أو يترک أثراً سلبياً أو ايجايباً على إرادة الانسان» ; لأنّ هؤلاء الأفراد اعتادو انقل أغلب الاشتباهات و القصور بل الکثير من تقصيراتهم الى عامل آخر خارج عن دائرة الحياة باسم «القضاء و القدر» و تحميله المسؤولية، فيتهربون من جميع أنواع المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.
اليوم نتناول مسألة «الجبر في التاريخ» بدل القضاء و القدر وسط مجموعة من الاوربيين و المستغربين ليلقى عليها أغلب القصور.
لکن يتضح للناس الواقعيين و طلاب الحقيقة أنّه ليس للتقدير الالهي أثر مفروض على إرادة الانسان; يتضح هذا الموضوع ببيان السنن الالهية في عالم الکون التي تبين حقيقة القضاء و القدر.
التقدير الالهي:
کلما اطلعنا على التقادير الالهية سنرى عدم وجود عامل و محرک في صفحة الوجود باسم القضاء والقدر خارج عن دائرة الحياة و ارادة الفاعل; المقصود من التقادير الالهية هي السنن القطعية الحاکمة علينا و على العالم و تأثير هذه السنن في سعادة و شقاء البشر ـ حسن العاقبة و سوء العاقبة ـ قطعي و لا يتخلف عنها، فنحن أحرار و مختارون في اختيار أي سنّة من تلک السنن; لأجل إيضاح الموضوع انتبهوا الى الأمثاله التالية:
1ـ التقدير الالهي للأمة التي تذعن للکسل و البطالة، و يختلف و يتنازع أفرادها مع بعضهم البعض، و تضيع و تهدر القوى الالهية في طرق مغلوطة، و لا تمتلک الوعي المتناسب مع الزمان و المکان، و تجهل أحوال أبنائها من خلال الانغماس في المصالح الفردية، هو تلاشيها و تحطمها آجلاً أو عاجلا.
لکنّ تقدير الله جل و علا بشأن الأمة التي تفکر في محروميها و کادحيها، و تحاول تمتيعهم بحياة کريمة تليق بالبشر من خلال تقليل الفوارق الطبقية، و تسدد الحقوق التي جعلها الله تعالى في أموال الأثرياء لعلاج و ترميم حياة الفقراء و المساکين ـ الخلاصة أمة عطوفة و عادلة ـ هو أنّها تتمتع دائماً بالثبات و الاستقرار و الترقي و التقدم و التحرک و البناء، و هذان التقديران و اضحان و ملموسان جداً بحيث لا يمکن لأحد التشکيک فيهما.
تتساوى جميع الأمم أمام هذين التقديرين، و ليس هناک أي عامل خارج عن إرادة الأمم يجبرها على اختيار أحد التقديرين، نحن هؤلاء الذين نختار أحدهما من خلال إطاعة الهوى أو حکم العقل، و على کل حال تکون النتيجة التي تعود علينا من هذا الانتخاب تقديره و قضاءه; لأنّه هو الذي أوجد هذه السنن و أمضاها و جعلنا أحراراً في اختيار أي منها.
2ـ الشاب الذي ابتداأ حياته بامکانيات کثيرة و أعصاب حديدية و ذکاء و فهم مفعم،ينتظره تقديران و مصيران کلاهما قضاء إلهي حتى يختار أحدهما; کلما وظف إمکانياته المادية و المعنوية لدراسة العلوم أو للتجارة سوف يمضي عمره بسعادة و سلامة; لکنّه متى ما أساء استعمال ثرواته المادية و الفکرية، و استغل تلک الامکانيات في طريق شرب الخمر و لعب القمار و المعاصي الأخرى التي تؤدي الى فساد و ضياع حياته و عمره، قطعاً سيؤول مصيره بعد مدة الى بدن عاجز و مريض و أعصاب منهکة و يقبع في زواية من الحياة، و ينهي عمره بالألم و المرض، کلا التقديرن يرتبطان بالله تعالى، لکنّه حرّ فى انتخاب أحدهما، و النتيجة التي تحيق به من جراء انتخابه هي تقدير و إرادة الله; اذا عاد من منتصف الطريق فقد استبدل مصيراً و تقديراً بدل الآخر و هذا أيضاً بتقدير الله، لأنّه هو الذي خلقنا و أذن لنا في العودة من منتصف الطريق و الندم على ما فعلنا، و فى النتيجة استبدلنا تقديراً بدل الآخر.
3ـ اذا راجع الشخص المريض الطبيب و استعمل الدواء يشفى، و اذا لم يذهب الى الدکتور أو لم يستعمل الدواء فإما أن يموت أويکون عليلا و مريضاً في إحدى الزوايا، على کل حال، کلا التقديرين. بحکم الله و انتخاب أحدهما يقع على عاتقنا، و أياً کان انتخابنا يکون أثره بحکم الله و قضائه.
تستطيعون أنفسکم أن تجدوا مئات الأمثلة للقضاء و القدر المرتبطة بأفعال البشر من خلال مراجعة السنن الالهية في عالم الخلقة لتحصلوا على معنى القضاء و القدر في أفعال الانسان.
أحاديث الأئمة الکرام:
ما بيّن من خلال طرح تلک الأمثلة هو في الواقع شرح للأحاديث التي وصلت إلينا من أئمة الاسلام و العظام ـ أي أولئک الذين طرحوا علينا مسألة القضاء و القدر ـ يقول النبي الکريم(صلى الله عليه وآله) : «خمسة لا يستجاب لهم: أحدهم رجل مرّ بحائط مائل و هو يقبل اليه و لم يسرع المشي حتى سقط عليه».
علة عدم استجابة دعاء هکذا انسان واضحة، لأنّ مصير من عبر أمام حائط مائل و لم يهرب هو الموت، لکنّه استقبل هذا المصيره باختياره بينما کان يستطيع اختيار مصير آخر.
إنّ أميرالمؤمنين عدل من عند حائط مائل الى حائط آخر فقيل له يا أميرالمؤمنين: أتفر من قضاء الله؟
فقال: «أفرّ من قضاء الله الى قدر الله» . أنا حرّ فى انتخاب أحدهما، اذا جلست تحته و انهار علىّ و متّ فهذا حکم القضاء، و اذا فررت و بقيت حياً فذلک بحکم القضاء و القدر أيضاً.
عندما سئل الامام الرضا(عليه السلام) ما هو قضاء الله المتعال حول الافعال الحسنة و القبيحة لعباده؟
أجاب الامام(عليه السلام): «ما من فعل يفعله العباد من خير و شر إلاّ و لله فيه قضاء» ثم يفسر الامام(عليه السلام) هذا القضاء ـ الشامل لجميع أفعال العباد الأعم من الخير و الشر ـ بالنتائج التي يبتلى بها الانسان في الدنيا و الآخرة و يقول: «الحکم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب و العقاب في الدنيا و الآخرة».
توضح هذه الأحاديث الحقيقة التي ذکرناها عن القضاء و القدر و تبين أنّ القضاء الالهي; لو نثر بذور المحبة و البر فسوف يرى نتائجه الايجابية و الحسنة بمقتضى القضاء الالهي، و لو غرص شجرة النفاق و السوء فسوف يتذوق ثمارها النکدة و کلاهما بتقدير الله تعالى، فلا يخرج أي عمل حسن أو قبيح عن دائرة القضاء و القدر.
مصير المسلمين في صدر الاسلامتعلم المسلمون في صدر الاسلام مسألة القضاء و القدر ـ على أثر الالهام من الوحي بحيث لم يعتبروا وجود أي مخالفة و منافاة بينه و بين حرية البشر في تقرير مصيره; کُتب فى الفتوحات الاسلامية أنّ الخليفة الثاني وصل الى سواحل الشام، ثم أخبر عن شيوع مرض الطاعون فيها، فقال له أصحابه: عد بنفس الطريق الذي جئت به، و کان رأيه هذا أيضاً، و لما اعترض عليه أحد الحاضرين و قال: هل تفرمن قضاء الله؟
فأجابه قائلا: بأمر الله أفر من قضاء الى آخر! و قال أحد الحاضرين مؤيداً رأي الخليفة: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله)يقول: لا تدخلوا مکاناً شاع فيه الطاعون،و لو کنتم فيه فلا تخرجوا منه (لئلاتسببون العدوى اللآخرين)يتضح من هذا البيان أنّ الاعتقاد بمسألة القضاء و القدر ليس دليلا على نفي الاختيار و الحرية و الارادة، و تفصل بين مسألة القضاء و القدر و مسألة الجبر آلاف الفراسخ، و اذا اعتبر عدد من المستشرقين نتيجة الاعتقاد بالقضاء و القدر جبراً آخر، فذلک لعدم إطلاعهم على المعارف الاسلامية الرفيعة و الراسخة، لقد تکلم أولئک في مواضيع لم يکن لهم حق التحکيم فيها.
يقول «آلبرماله» في تاريخه: «لم يکن في الاسلام في أيامه الأولى سوى الاعتقاد بوحدانية الله و رسالة محمد، لکن في الفترة اللاحقة قال متکلموا الاسلام أنّ الله يحدد مصير الأشخاص و لا يمکن تغيير مشيته و يسمون هذه الطريقة الجبر».
يقول «جوستاولبون» في مقام الاعتذار بعد سلسلة من الأحاديث حول القضاء و القدر في الاسلام و أنّ نتيحته جبر آخر: «الآيات الواردة في القرآن بشأن القضاء و القدر ليست أکثر من الآيات المذکورة في الکتاب المقدس بهذا الخصوص».
إنتشار هکذا تهم و استنتاجات خاطئة بين الاوربيين دعت «السيد جمال الدين الأسد آبادي» الى کتابة رسالة في الدفاع عن مسألة القضاء و القدر أثناء إقامته في باريس، ثم نشرها في أسبوعية «العروة الوثقى»، يقول في رسالته:
«اعتقدت هذه الفرقة من الأوربيين أنّه لافرق بين القضاء و القدر و الاعتقاد بمذهب الجبر، و الانسان في ضوء اعتقاده بالقضاء و القدر کالجن المعلق في الهواء تلعب به الريح و تنقله من جهة لأخرى، الاعتقاد بالقضاء و القدر يؤدي الى کون الانسان لا يملک اختياراً وإرادةً في فعله و قوله و سکوته و حرکته، و يسلم زمام أموره بيد قوة صلبة و قمعية، هکذا أمة لاتستعمل کامل قواها الطبيعية، و تفتقد الى دوافع العمل و الاجتهاد، و بهذه الحالة تسير من عالم الوجود الى العدم...!».
السؤال:
ما المقصود بالقضاء و القدر؟ اذا کان المقصود أنّ الله تعالى حدد مصير کل شخص، فکلّ منا مجبور على إتباع ذلک، و لا نستطيع أن نتجاوز ما رسم لنا، فما هو معنى الآية الکريمة «و ان ليس للانسان إلاّ ما سعى»؟
الظاهر من الآية أنّ مصير کل انسان بيده، بناءاً على ذلک لا تأثير للقضاء و القدر.
لا يوجد تعليق